اعتدتُ على رؤية القمر مذ كنتُ صغيراً، ولكنّني وفي كلِّ مرةٍ أراه فيها معتلياً عرش سماء إحدى الليالي أرى فيه قمراً يختلف كليّاً عن قمر الليلة الفائتة.. كم غريبُ هوَ، البارحة كانَ جميلاً واليوم أيضاً جميل، ولكن بطريقةٍ مختلفة.. هل عينايَ تتبدّلانِ بين ليلةٍ وأخرى؟ لا أظن..
الليلة، طفا القمر عالياً في سماء المدينة متباهياً بلونه الفضي. لم يكن القمر تاماً، بل أخفى جزءاً منه في ظلام الكون خجولاً.. ذكّرني - كعادتهِ - بكِ.. ويحهُ، ألا يعرف كم أحبّك، وكم ذكراكِ تستفزُّ دموعي الراقدة في عينيّ تنتظر سماع أحرف اسمكِ كي تنقضَّ على وجنتيَّ وتلتهمهما بنهم!
بيني وبين القمر صداقةٌ قديمة، كنتُ - ولا زلتُ - أروي له كلَّ ما عشتُه خارج جدران غرفتي الأربعة، يتحدُّث إليَّ دون كلام، ويلهمني ما أقوم به دون أن يقوم من على عرشه في أعالي السماء..
عرفتُ منذ صغري أن أصدقاءنا الأوفياء هم أولئك الذين لم يوجَدوا بعد، وقد اتخذتُ من القمر صديقي الودود اللطيف، الذي لم يمانع يوماً أن يستمع إلى شكواي وهمومي، إلا في أيام إجازاته الرسميّة، حيث يتغيّب عنّي ثلاثة أيامٍ كلَّ شهر، أقوم خلالها بكتابةِ ما حصل معي خلالها، منتظراً عودته بلهفة، لأروي له كلّ ما حصل معي..
حاولتُ كثيراً أن أخفي قصّتي معكِ عنه، لم أشأ أن يعرف أحدٌ بوجودك غير أذني التي تسمع شدوَ كلماتِك، ولساني الذي يطربُ بالحديثِ إليك، وعيناي التي تذيبُ وجهكِ في شايِ فنجاني كقطعة سكّرٍ صغيرة! حاولت كثيراً أن أجيب القمر عن سؤاله المتكرّر عمّا حلّ بي مؤخراً، ولكنّني أنا نفسي لم أكن أعرف الإجابة، لم أعرف ما هو هذا السحر الذي دخل حياتي من الباب الذي لم ألقِ لهُ بالاً منذ مدّة فأحكم سيطرتهُ عليَّ حتى في أبسط الأمور التي أقوم بها..
وذات مرّة، ضاقت جدران غرفتي بأنّاتيَ المختنقة، وكادت أن تلملم ما أُلصِقَ عليها من صورٍ لغيفارا والسيّدة مريم العذراء وترحل خارج الغرفة، فتبقى غرفتي دون جدران! للصراحة لم أستسغ الفكرة كثيراً، فقدّمت اعتذاري لتلك الجدران، وعدتُ يائساً لصديقي الودود، قمري الساهر قرب شباك غرفتي، ورويتُ له قصّتي الغريبةَ معكِ، بأحزانها وأفراحها، بدموعها وضحكاتها التي ما تزال ترنُّ حتى هذه اللحظةِ في مخيّلتي..
استرسلتُ بحديثي معهُ عنكِ حتى استفقتُ صباحاً متكئاً على حافة الشباك وقد آلمني ظهري لطول فترة انحنائي، فوجدت القمر قد ابتلعته شمس النهار، رحلَ وقد تركَ بقرب نافذتي رسالة صغيرة قال فيها:
" صديقي الذي لا أعرف اسمكَ لليوم، ولكنّي حفظتُ قصصكَ التي تكرّرها دوماً على مسمعي دونَ أن أملّ منها.. لم أستطع البارحةَ وأنتَ تتكلّم عنها أن أمنع نفسي من البكاء، ربّما لم تُلاحِظ ذلك، لكنّ بكاء الأقمار يختلف عن بكاء البشر يا عزيزي..
لم يكن بكائي بسبب قصتكْ، فقد رويتَ لي الكثير من القصص بعضها مخزنٌ أكثر من هذه، ولكن ما قد أجبرني على السماح لدمعتي بالانهمار، هو أنّها، وفي الوقتِ ذاته، كانت أيضاً تروي لي قصّتها معك، بأحزانها وأفراحها، بدموعها وضحكاتها، وبكلّ الشوق الذي تخبّئهُ لكَ داخل صدرها.. ونامت مثلك تماماً متكئة على حافةِ نافذتها..
غطيتكما بنسمة حب، وباركتُ حبّكما الأبديّ، وسهرتُ طول الليل أنظر إليكما.. أبكي، وأنتما نائمين".
الليلة، طفا القمر عالياً في سماء المدينة متباهياً بلونه الفضي. لم يكن القمر تاماً، بل أخفى جزءاً منه في ظلام الكون خجولاً.. ذكّرني - كعادتهِ - بكِ.. ويحهُ، ألا يعرف كم أحبّك، وكم ذكراكِ تستفزُّ دموعي الراقدة في عينيّ تنتظر سماع أحرف اسمكِ كي تنقضَّ على وجنتيَّ وتلتهمهما بنهم!
بيني وبين القمر صداقةٌ قديمة، كنتُ - ولا زلتُ - أروي له كلَّ ما عشتُه خارج جدران غرفتي الأربعة، يتحدُّث إليَّ دون كلام، ويلهمني ما أقوم به دون أن يقوم من على عرشه في أعالي السماء..
عرفتُ منذ صغري أن أصدقاءنا الأوفياء هم أولئك الذين لم يوجَدوا بعد، وقد اتخذتُ من القمر صديقي الودود اللطيف، الذي لم يمانع يوماً أن يستمع إلى شكواي وهمومي، إلا في أيام إجازاته الرسميّة، حيث يتغيّب عنّي ثلاثة أيامٍ كلَّ شهر، أقوم خلالها بكتابةِ ما حصل معي خلالها، منتظراً عودته بلهفة، لأروي له كلّ ما حصل معي..
حاولتُ كثيراً أن أخفي قصّتي معكِ عنه، لم أشأ أن يعرف أحدٌ بوجودك غير أذني التي تسمع شدوَ كلماتِك، ولساني الذي يطربُ بالحديثِ إليك، وعيناي التي تذيبُ وجهكِ في شايِ فنجاني كقطعة سكّرٍ صغيرة! حاولت كثيراً أن أجيب القمر عن سؤاله المتكرّر عمّا حلّ بي مؤخراً، ولكنّني أنا نفسي لم أكن أعرف الإجابة، لم أعرف ما هو هذا السحر الذي دخل حياتي من الباب الذي لم ألقِ لهُ بالاً منذ مدّة فأحكم سيطرتهُ عليَّ حتى في أبسط الأمور التي أقوم بها..
وذات مرّة، ضاقت جدران غرفتي بأنّاتيَ المختنقة، وكادت أن تلملم ما أُلصِقَ عليها من صورٍ لغيفارا والسيّدة مريم العذراء وترحل خارج الغرفة، فتبقى غرفتي دون جدران! للصراحة لم أستسغ الفكرة كثيراً، فقدّمت اعتذاري لتلك الجدران، وعدتُ يائساً لصديقي الودود، قمري الساهر قرب شباك غرفتي، ورويتُ له قصّتي الغريبةَ معكِ، بأحزانها وأفراحها، بدموعها وضحكاتها التي ما تزال ترنُّ حتى هذه اللحظةِ في مخيّلتي..
استرسلتُ بحديثي معهُ عنكِ حتى استفقتُ صباحاً متكئاً على حافة الشباك وقد آلمني ظهري لطول فترة انحنائي، فوجدت القمر قد ابتلعته شمس النهار، رحلَ وقد تركَ بقرب نافذتي رسالة صغيرة قال فيها:
" صديقي الذي لا أعرف اسمكَ لليوم، ولكنّي حفظتُ قصصكَ التي تكرّرها دوماً على مسمعي دونَ أن أملّ منها.. لم أستطع البارحةَ وأنتَ تتكلّم عنها أن أمنع نفسي من البكاء، ربّما لم تُلاحِظ ذلك، لكنّ بكاء الأقمار يختلف عن بكاء البشر يا عزيزي..
لم يكن بكائي بسبب قصتكْ، فقد رويتَ لي الكثير من القصص بعضها مخزنٌ أكثر من هذه، ولكن ما قد أجبرني على السماح لدمعتي بالانهمار، هو أنّها، وفي الوقتِ ذاته، كانت أيضاً تروي لي قصّتها معك، بأحزانها وأفراحها، بدموعها وضحكاتها، وبكلّ الشوق الذي تخبّئهُ لكَ داخل صدرها.. ونامت مثلك تماماً متكئة على حافةِ نافذتها..
غطيتكما بنسمة حب، وباركتُ حبّكما الأبديّ، وسهرتُ طول الليل أنظر إليكما.. أبكي، وأنتما نائمين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق